في هذه المقالة سوف نتعرف على هل الاكتئاب مرض نفسي ام عقلي ام عضوي؟ وهل هو مرض مزمن وخطير؟ وهل الإكتئاب مرض وراثي معدي؟ تابع القراءة لمعرفة المزيد من التفاصيل المهمة. التي قد تساعد بشكل كبير على فهم معنى مرض الاكتئاب بشكل علمي مفصل ودقيق.
هل الاكتئاب مرض نفسي؟ |
هل الاكتئاب مرض؟
نعم الإكتئاب (بالإنجليزية : Depression) هو مرض يصيب النفس البشرية للإنسان فيسبب إضطراب في التوازن بين المشاعر السلبية والإيجابية. حيت تطغى مشاعر الحزن الشديد والقلق والخوف على مشاعر السعادة والسرور والبهجة وذلك نتيجة مجموعة من الأسباب والعوامل المختلفة من مريض لآخر.
الشخص المريض بالإكتئاب لا يعاني فقط من الناحية النفسية فالأمر لا يقتصر على مشاعر عابرة من الحزن الشديد والخوف والقلق. بل الأمر يتجاوز ذلك بكثير، فأعراض الإكتئاب قد تظهر على الجسم وتؤثر على الوظائف الحيوية للأعضاء. مما يجعل المريض يعاني من عدة أمراض وإضطرابات مثل القولون العصبي، الإمساك، إرتجاع المعدة، ضيق التنفس، نغزات وألم بالقلب...). وقد تمتد جذور الإكتئاب إلى العقل وتفسد طريقة التفكير للمريض وتجلعه يرى العالم بنظرة سوداوية متشائمة. كما أن الإكتئاب قد يظهر من خلال سلوكيات المريض مثل الإنطوائية، العدوانية، الإنتحار إلى غير ذلك.
هناك عدة أنواع مختلفة من مرض الإكتئاب وأنت لا تستطيع كمريض نفسي تشخيص حالتك بشكل دقيق. لأن الطبيب النفسي هو الوحيد القادر على تحديد النوع الذي تعاني منه ودرجة خطورة كل نوع من الإكتئاب على حدى. فالأطباء النفسيين حول العالم يستعينون بمجموعة من المعايير التي تم الإتفاق عليها مسبقا داخل الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيية (بالإنجليزية : American Psychiatric Association). والمنشورة على الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية والعقلية (بالإنجليزية : Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders).
هل الاكتئاب مرض مزمن؟
نعم الاكتئاب في مجمل الحالات هو مرض مزمن يتطلب إلتزام وصبر من المريض وعائلته حتى تبدأ نتائج العلاح في الظهور. لأن هذا المرض النفسي يحتاج إلى وقت طويل من التتبع والرعاية الطبية وعلاجه مكلف. يتطلب موارد إقتصادية لمتابعة حصص الجلسات النفسية وتحمل أثمنة مضادات الإكتئاب الباهضة.
مرض الإكتئاب ليس كجميع الأمراض الأخرى فحتى لو شعر المريض أن حالته النفسية تحسنت وإختفت الأعراض التي كانت تضايقه مسبقا. إلا أن هذا المرض النفسي اللعين قد يعود في أي لحظة إذا تخلى فجأة المريض عن تناول مضادات الاكتئاب أو إنقطع عن حصص الجلسات النفسية. فالحقيقة أنه لا يوجد وقت محدد يمكن إعتماده في علاج الإكتئاب فالإستشارة الطبية ضرورية للحسم في هذا الأمر. لأن الطبيب المشرف على حالة المريض بالإكتئاب يراقب تطورات الأعراض النفسية، الجسدية والسلوكية معه ويقييم وضعه الصحي بمرافقة الأدوية وبدونها.
هل الاكتئاب مرض خطير؟
نعم مرض الإكتئاب خطير جدا فالتقارير والإحصائيات الأخيرة التي نشرتها منظمة الصحة العالمية تؤكد هذا الأمر. حيت تشير أنه في مطلع سنة 2030 سيصبح الإكتئاب هو السبب الأول في الوفاة الذي يكون غالبا بالإنتحار حول العالم. ولهذا السبب لا يجب الإستهانة والعبث مع مرض الإكتئاب فالغرور والثقة في النفس الزائدة والتباهي بالإيمان والخوف من عقاب الله. كلها مصطلحات ليس لها أي قيمة أمام الإكتئاب لأن أغلب الذين فقدوا حياتهم بسبب هذا المرض النفسي. لم يظنوا يوما أنهم قد يقدمون على الإنتحار لأن الإكتئاب ببساطة يؤثر على العقل والإدراك.
الشيء الوحيد الذي يحميك من خطر الإكتئاب هو الإسراع بطلب العلاج والإلتزام بتطبيقه حتى نهاية المطاف. لأن الإكتئاب إذا لم يجعلك تفكر في الإنتحار فإنه على الأقل سوف يغيير نظرتك للواقع ويجعلك تنظر للعالم الخارجي بنظرة مشوهة غير حقيقية. إضافة أنه يجعلك إنسان كسول ومنهزم لا تقدر على فعل شيء فأنت لن تستطيع العمل أو الدراسة بجودة عالية إذا كنت مصاب بالإكتئاب. كما أن علاقتك الإجتماعية تصبح محدودة ولا يرغب أحد في التعرف على إنسان حزين طوال الوقت إنسان لا يبتسم وتعابير وجهه دائما منغلقة. فأول خطوة للسقوط في فخ الإكتئاب هي الإنطوائية والعزلة عن المجتمع الخارجي فالإكتئاب يريدك لوحدك في غرفة مظلمة حتى ينفرد بك ويفعل بك ما يشاء.
هل الاكتئاب مرض نفسي ام عقلي؟
كما ذكرت سابقا فإن الإكتئاب هو مرض نفسي وليس مرض عقلي لكن لماذا ؟ ببساطة لأنه يصيب مشاعر النفس البشرية. فيجعل المريض يشعر بحزن شديد طوال الوقت فالمرض النفسي كيف ما كان نوعه يصيب النفس وبالتحديد المشاعر يجعلها مضطربة وغير متوازنة. في المقابل عقل الإنسان لا يتضرر بالمرض النفسي مثل الإكتئاب على سبيل المثال حيت لا يتغير شيء في وعي وإدراك المريض لحالته الصحية ومحيطه الخارجي. فالمريض النفسي بالإكتئاب يكون على علم ودراية بأنه يشعر بحالته النفسية مضطربة. ومزاجه متعكر طوال الوقت إضافة لأنه يدرك وجود أعراض جسدية وردود أفعاله السلوكية غير طبيعية.
أما المرض العقلي مثل الفصام فيصيب العقل وجميع وظائفه الحيوية وعملياته الذهنية أما النفس ومشاعر المريض العقلي فتكون مضطربة عن آخره وغير متوازنة. هذا يعني أن الطريق للإصابة بالمرض العقلي هو المرض النفسي أي أنك إذا كنت تعاني من الإكتئاب فهناك إحتمال كبير أن تصاب بالأمراض العقلية. وبشكل عام فإن المصاب بالمرض العقلي لا يدرك وضعه الصحي أو المحيطين به فالمصاب بالفصام مثلا لا يعلم أنه مريض ويقول أفكار غير منطقية. فهو يصدق الهلاوس والضلالات التي تمييز الأمراض العقلية ولا يستطيع مقاومتها أما مريض الإكتئاب فيمكنه تغيير حالته النفسية.
هل الاكتئاب مرض نفسي ام عضوي؟
لا يمكننا الإجابة عن هذا السؤال بدون فهم الآلية التي يقوم من خلالها الدماغ تحديدا الجهاز الحوفي (Limbic System) بإنتاج أغلب مشاعر النفس البشرية. فالشعور بالسعادة على سبيل المثال يساهم فيه الناقل العصبي السيروتونين (Serotonin). أي أنك إذا كنت حزين وكئيب فإنك على الأغلب تعاني من نقص في هذا الموصل العصبي أو أن مستقبلاته غير فعالة. أو أن أنزيم مونو أمين أكسيداز (Monoamine oxidase) موجود بكثرة في المشابك العصبية. هذه كلها مشاكل وإختلالات في الدماغ تقف وراء ظهور الإكتئاب لكن هل يصح لنا القول في هذه الحالة أن الإكتئاب مرض عضوي ؟
الإجابة هي لا لأن هناك أمراض عضوية عصبية تصيب الدماغ مثل الباركنسون (مرض الرعاش)، الزهايمر (مرض النسيان)، التصلب اللوحي....). وأمراض أخرى عصبية تصيب الجهاز العصبي وليس لها علاقة بإنتاج المشاعر في الجهاز الحوفي بالدماغ. وبالتالي الإستنتاج الصحيح أن الإكتئاب ليس مرض عضوي ولكنه مرض نفسي مرتبط بتوازن كيمياء الدماغ تحديدا الناقل العصبي السيروتونين. الذي يؤدي نقصه في المشابك العصبية إلى قطع التوصيل العصبي. للسيالات العصبية وعدم تنشيط مستقبلاته في الخلايا المجاورة الشيء الذي يؤدي للشعور بالحزن الشديد والإكتئاب الحاد.
هل الاكتئاب مرض وراثي؟
في معظم الحالات فإن مرض الإكتئاب له علاقة وطيدة بالجانب الوراثي للإنسان هذا يعني أنه إذا كان أحد أفراد عائلتك الصغيرة (أبويك) أو الكبيرة (أجدادك). يعاني من الإكتئاب فهناك إحتمال كبير أن تتعرض للإصابة أنت أيضا بمرض الإكتئاب لكن كيف يحدث ذلك علميا ؟ كما ذكرنا سابقا فإن الناقل العصبي السيروتنين يتحكم في الشعور بالسعادة ولكن الأهم في هذا أن هذه المادة الكيميائية في الدماغ. تصنع داخل النواة للخلايا العصبية المتجمعة بنواة غافي (The nuclei of the raffé) بجذع الدماغ. دائما في نواة جميع الخلايا بالجسم توجد الصبغيات على شكل X التي يتلولب حولها الشريط الوراثي DNA الذي يحتوي على الجينات. المتحكمة في تصنيع البروتينات التي تتخذ شكل أنزيم أو هرمون أو ناقل عصبي مثل السيروتونين.
إذا توصلنا إلى أن السيروتونين هو مادة كيميائية ذات طبيعية بروتينية تتحكم في تصنيعها الجينات التي ورثناها عن أبائنا أو أجدادنا. لكن السؤال الأهم هنا هو ما الذي يحدث لهذه الجينات حتى لا تصنع هرمون السعادة السيروتونين بشكل طبيعي ؟ الجواب ببساطة يتمثل في إصابة هذه الجينات بالطفرات الوراثية التي تجعل تركيز السيروتونين يصنع في أدمغة مرضى الإكتئاب ضمن ثلاثة مستويات. الأول يكون فيه تركيز السيروتونين ضعيف جدا وفي هذه الحالة يعاني المريض من الإكتئاب منذ الطفولة. الثاني يكون فيه تركيز السييروتون متوسط وفي هذه الحالة لا يعاني الشخص من الإكتئاب إلا إذا واجه مشاكل وضغوطات كثيرة في مرحلة ما من حياته. أما المستوى الثالث يكون فيه تركيز السيروتونين طبيعي وفي هذه الحالة يقاوم الشخص أي ضغوطات مشاكل تعرض لها في حياته. لكن مع ذلك تبقى هناك إحتمالية لإصابته بالإكتئاب.
هل الاكتئاب مرض معدي؟
لا تقلق فإذا كنت تعتقد أنك إذا إقتربت من مريض الإكتئاب فإن هذا المرض النفسي سوف ينتقل إليك فأنت لست على صواب. لأن مرض الإكتئاب غير معدي فهو ليس مثل الأمراض المعدية التي تعرف. وإذا كان الأمر كذلك إذا كيف لا يمرض الأطباء النفسيين بمرض الإكتئاب رغم علاجهم للعديد من الحالات الصعبة. فالإكتئاب له علاقة بتوازن كيمياء الدماغ وكل شخص له تركيز معين من هرمون السعادة السيروتونين. إنطلاقا من وضعية الجينات في الشريط الوراثي DNA داخل الخلايا العصبية.
لكن ومع ذلك يمكن أن ينتقل الشعور بالحزن الشديد بين الأفراد إنطلاقا من المرور بوضعيات وظروف حياتية متشابهة. إضافة أن الأفكار المتشائمة لمريض الإكتئاب ونظرته السلبية للواقع يمكن أن تجعل المحيطين به عرضة للإصابة بمرض الإكتئاب مستقبلا. فهرمون السيرتونين يتأثر بالأفكار والمحيط والعادات السلوكية المشتركة مثل النظام الغذائي وتوقيت النوم وهذا الأمر تم تأكيده علميا في دراسات وأبحاث. أظهرت نتائجها أن الوراثة ليست هي كل شيء والجينات لا تحدد مصير الإنسان فهناك عوامل ما فوق الجينات (بالانجليزية : epigenitics). التي تتحكم في إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض والإضطرابات الجسدية والنفسية.